في السنوات الأخيرة، أظهرت العلاقات بين مصر وإيران علامات واعدة على تحسن العلاقات. ومع ذلك، فإن احتمال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض قد يفرض ضغوطًا كبيرة على هذا التقارب المتزايد، وفقا لتحليل نشره موقع .
مع وجود إيران في طليعة خصومه الجيوسياسيين، فإن إعادة انتخاب ترامب المحتملة قد تعمق التوترات القائمة، وخاصة فيما يتعلق بالديناميكيات بين مصر، القوة الإقليمية الرئيسية، وإيران، منافس الولايات المتحدة منذ فترة طويلة.
بدأت العلاقات بين مصر وإيران تظهر علامات التحسن في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد مشاركة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع كبير الدبلوماسيين الإيرانيين في مؤتمر دولي في بغداد في عام 2021. واستمر هذا التحسن مع الزيارة التاريخية التي قام بها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى القاهرة في عام 2022، والتي كانت أول زيارة رفيعة المستوى منذ أكثر من عقد من الزمان.
مؤخرا، في أكتوبر 2024، التقى الرئيس المصري السيسي بالرئيس الإيراني مسعود بزشكيان على هامش قمة البريكس في قازان، روسيا. وقد أثارت هذه اللقاءات الآمال في إعادة الانخراط الدبلوماسي الأوسع بين القوتين الإقليميتين، مما يشير إلى تحول محتمل في الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط.
اقرأ أيضًا..
على الرغم من هذه التطورات الإيجابية، لا تزال هناك عدة حواجز أمام استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين القاهرة وطهران. وتشمل هذه العقبات عوامل دولية وإقليمية، فضلاً عن المخاوف الأمنية الداخلية في مصر، وخاصة فيما يتصل بدعم إيران للحركات السياسية الشيعية ونفوذها على الدول ذات الأغلبية السنية في المنطقة.
يتمثل التحدي الحاسم الذي تواجهه مصر في التعامل مع علاقتها المعقدة مع الولايات المتحدة، التي تحافظ على موقفها ضد النفوذ الإيراني في المنطقة.
ويشير هاني الأعصر، مدير المركز الوطني للدراسات، إلى أن إيران تنظر إلى مصر باعتبارها شريكًا رئيسيًا في استراتيجيتها الأوسع نطاقاً للتحرر من العزلة الدولية التي فرضتها عليها الولايات المتحدة. ويوضح الأعصر: “إن إيران حريصة على تطبيع وتطوير علاقاتها مع مصر كجزء من جهودها لتخفيف الحصار الذي تريد واشنطن فرضه عليها”. ويظل هذا الضغط الأميركي عاملاً مهماً يعقد مسار التطبيع.
لا تزال الولايات المتحدة لاعباً رئيسياً في تشكيل اتجاه العلاقات المصرية الإيرانية. ويرى حسين رويران، أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران، أن إيران حريصة على إقامة تنسيق رفيع المستوى مع مصر، في حين أن الولايات المتحدة عازمة على منع أي تحالف من هذا القبيل. ويشير رويران إلى أنه في حين لا تخضع إيران لضغوط أميركية مباشرة، فإن “القاهرة مطالبة بالاستجابة لمدى تأثير الضغوط الأمريكية”.
والسؤال الذي يواجه مصر هو كيف يمكنها تحقيق التوازن بين علاقاتها الودية على نحو متزايد مع إيران مع الحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية مع واشنطن. وينطوي هذا التوازن الدقيق على التعامل مع الضغوط السياسية والاقتصادية من جانب الولايات المتحدة، التي لا تزال تنظر إلى إيران باعتبارها خصماً رئيسياً. وبالنسبة لمصر، فإن القدرة على الحفاظ على علاقاتها مع الغرب ــ وخاصة في المسائل الدفاعية والأمنية ــ قد تحد من مدى قدرتها على توسيع التعاون علناً مع طهران.
يؤكد معتز أحمدين خليل، الممثل المصري السابق لدى الأمم المتحدة، على أهمية معارضة الولايات المتحدة لتطبيع العلاقات بين مصر وإيران. ولكن يعتقد الأعصر أن هناك مجالات لا تزال قادرة على ازدهار التعاون دون إثارة ردود فعل عنيفة من جانب الولايات المتحدة. ويشير خليل إلى الانخراط الدبلوماسي مثل رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي، والذي قد يشمل تبادل السفراء بين القاهرة وطهران. وقد تشير هذه الخطوة إلى خطوة مهمة إلى الأمام في العلاقات المصرية الإيرانية دون المخاطرة بالتداعيات الدبلوماسية الأوسع التي قد تصاحب التطبيع الكامل.
يشير الأعصر إلى أن الظروف قد تكون مواتية الآن لإحياء العلاقات المصرية الإيرانية، وخاصة في ضوء الديناميكيات الإقليمية الحالية وحاجة واشنطن إلى وسطاء موثوق بهم في الصراعات الجارية. على سبيل المثال، كانت مصر وسيطًا في نقل الرسائل بين إيران والقوى الإقليمية الأخرى، بما في ذلك خلال التصعيدات الأخيرة في غزة ولبنان. وتعزز هذه الأدوار أهمية مصر كقوة إقليمية، وقد تسمح لها بإقامة علاقات أقوى مع إيران، على الرغم من المعارضة الأمريكية.
ومع ذلك، يحذر الأعصر أيضا من أن التطبيع الكامل بين القاهرة وطهران يظل غير مرجح، خاصة مع ظلال العقوبات الأميركية والمقاومة الدبلوماسية.
لقد شكل تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران في عام 2023 لحظة محورية في الدبلوماسية الإقليمية. فبعد الاتفاق الذي تم التوصل إليه، أصبحت مصر منفتحة بشكل متزايد على تعزيز علاقاتها مع إيران. وفي الماضي، كان التزام مصر بـ “أمن الخليج” يشكل قيدًا رئيسيًا في علاقتها بطهران.
ومع ذلك، يعتقد خليل أن ذوبان الجليد السعودي الإيراني خفف من مخاوف القاهرة، وخاصة فيما يتعلق بردود الفعل المحتملة من دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية. ويقول: “لم يعد الأمر يمثل عقبة أمام مصر”.
مع تحول الديناميكيات السياسية في المنطقة، أصبحت مصر أكثر ميلاً لاستكشاف الفوائد الاقتصادية والاستراتيجية المحتملة لاستعادة العلاقات مع إيران. وقد تمهد العلاقات الخليجية الإيرانية المتطورة الطريق لمزيد من التعاون المصري الإيراني، حتى مع استمرار مصر في التحرك بحذر في تحقيق التوازن بين مصالحها الإقليمية والعالمية الأوسع.
يشير الأعصر إلى أن مصر ستستفيد بشكل كبير من تحسين العلاقات مع إيران. وتشمل المجالات الرئيسية للتعاون المحتمل صناعة النفط والسياحة الدينية والمشاريع الاقتصادية المشتركة. ويمكن لمصر، بمواقعها التاريخية والدينية الغنية، أن تجتذب ملايين السياح الإيرانيين، الذين يسافرون غالبًا لزيارة الأضرحة والمساجد التي أقامها أجدادهم.
علاوة على ذلك، فإن إمكانية إقامة مشاريع مشتركة في صناعات مثل تصنيع السيارات المحلية، والمنسوجات، والملاحة البحرية، وإنتاج السجاد من شأنها أن توفر دفعة اقتصادية كبيرة لكلا البلدين.
ويتحدث محمد حسين سلطاني، رئيس قسم المصالح الإيرانية في القاهرة، بمزيد من التفصيل عن الآفاق الاقتصادية، قائلاً إن إيران مستعدة لدخول الأسواق المصرية، وخاصة في مجالات النفط والغاز والسياحة. ومن شأن مثل هذا التعاون أن يساعد مصر في تنويع شركائها الاقتصاديين والحد من اعتمادها على التحالفات المدعومة من الغرب.
على الرغم من الآفاق الواعدة للعلاقات المصرية الإيرانية، فإن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تظل مصدر قلق كبير. ومن المتوقع أن يواصل ترامب، الذي كان لفترة طويلة منتقدًا صريحًا لإيران، حملته “للضغط الأقصى”، وفرض العقوبات والسعي إلى عزل طهران بشكل أكبر. وفي ظل هذه الظروف، ستكون قدرة مصر على تعميق علاقاتها مع إيران دون إثارة غضب واشنطن اختبارًا حاسمًا لمناورات سياستها الخارجية.
نسخ الرابط
تم نسخ الرابط