قناة السويس.. أعظم خدمة للتجارة في العالم منذ اكتشاف أمريكا

تُمثِّل قناة السويس، أحد أكثر الممرات البحرية حيوية في العالم، علامة فارقة في التجارة العالمية والتاريخ الجيوسياسي.

ووفقًا لتقرير نشره موقع ، فاعتبارًا من 17 نوفمبر 2024، سيوافق مرور 155 عامًا على افتتاح القناة رسميًا؛ مما غيَّر إلى الأبد مشهد التجارة الدولية.

تمتد قناة السويس على مسافة 193 كيلومترًا، وتربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط، مما يقلل المسافة بين أوروبا وآسيا بما يصل إلى 7000 كيلومتر. لم يشكل بناءها وتشغيلها المستمر الاقتصاد العالمي فحسب، بل شكل أيضًا لحظات حرجة في التاريخ، مما يجعلها أكثر من مجرد ممر مائي – إنها رمز للتجارة الدولية والصراع والتعاون.

نظرة عامة تاريخية: من المفاهيم القديمة إلى الهندسة الحديثة

إن فكرة إنشاء قناة عبر برزخ السويس ليست فكرة حديثة. تشير الأدلة التاريخية إلى أن طريقًا تجاريًا عبر المنطقة كان موجودًا منذ عهد الفرعون سنوسرت الثالث في الألفية الثانية قبل الميلاد. ولكن القناة الحديثة التي نعترف بها اليوم كانت نتاجًا لطموحات استعمارية أوروبية خلال القرن التاسع عشر.

في عام 1799، حاول نابليون بونابرت إنشاء قناة لكنه أحبط بسبب القياسات غير الدقيقة. وظهرت الرؤية الحقيقية لقناة السويس مع الدبلوماسي والمهندس الفرنسي فرديناند ديليسبس، الذي حصل على الدعم المصري تحت حكم نائب الملك سعيد باشا.

في عام 1858، تأسست شركة قناة السويس العالمية، وبعد أكثر من عقد من البناء المكثف، تم افتتاح القناة أخيرًا في عام 1869.

اقرأ أيضًا:

التأثير الاقتصادي لقناة السويس: شريان حياة للتجارة العالمية

منذ افتتاحها، أصبحت قناة السويس لا غنى عنها للتجارة العالمية، حيث تتعامل مع ما يقرب من 12% من تجارة العالم. يعمل هذا الممر المائي الحيوي كاختصار بين المحيط الهندي والمحيط الأطلسي، مما يسهل حركة البضائع والنفط عبر القارات.

كانت القناة حيوية بشكل خاص لسوق النفط العالمية، حيث يمر حوالي 7% من نفط العالم عبر مياهها. على أساس يومي، تعبر القناة أكثر من 20 ألف سفينة، مما يجعلها واحدة من أكثر الممرات البحرية ازدحامًا.

تم تسليط الضوء على الأهمية الاقتصادية لقناة السويس بشكل صارخ في مارس 2021، عندما علقت سفينة الحاويات الضخمة إيفر جيفن في القناة لمدة ستة أيام. أدى الانسداد إلى شل التجارة العالمية، مما أدى إلى تأخير شحنات تقدر قيمتها بنحو 400 مليون دولار كل ساعة.

أشاد بها الصحفي الاسكتلندي ألكسندر راسل باعتبارها “أعظم خدمة للتجارة في العالم منذ اكتشاف أمريكا”، مؤكدًا على إمكاناتها في ربط الشرق والغرب ليس فقط في التجارة ولكن في الأفكار والثقافة.

كما أشار المؤرخ البحري سال ميركوجليانو في وكالة أسوشيتد برس، “كل يوم تُغلق القناة … لا تقوم سفن الحاويات وناقلات النفط بتسليم الطعام والوقود والسلع المصنعة إلى أوروبا، ولا يتم تصدير البضائع من أوروبا إلى الشرق الأقصى”.

أبرز هذا الاضطراب مدى تشابك الاقتصادات العالمية، حيث ترسل حتى الانقطاعات القصيرة الأجل في عمليات القناة موجات صدمة عبر الأسواق الدولية.

الصراعات السياسية والتوترات الجيوسياسية

إن التاريخ السياسي لقناة السويس معقد بقدر تعقيد تاريخها الاقتصادي. ففي معظم أوائل القرن العشرين، سيطر المستثمرون الفرنسيون والبريطانيون على القناة، واستخدموها للحفاظ على مصالحهم الاستعمارية في آسيا وأفريقيا.

في عام 1956، أصبحت القناة نقطة اشتعال لواحدة من أكثر المواجهات الجيوسياسية أهمية في الحرب الباردة – أزمة السويس. قام الرئيس المصري جمال عبد الناصر بتأميم القناة، معلناً أن العائدات الناتجة عنها ستمول بناء سد أسوان.

أثارت هذه الخطوة غضب بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، التي شنت تدخلاً عسكرياً في مصر. فشل التدخل العسكري انتهى بهزيمة دبلوماسية للقوى الأوروبية، وأُجبرت على الانسحاب تحت ضغط دولي، مما أدى إلى انتصار كبير لناصر وصعود القومية المصرية.

وقد تجلت الأهمية الاستراتيجية للقناة بشكل أكبر في عام 1967 عندما أغلقتها مصر بعد احتلال إسرائيل لسيناء، وهو الإغلاق الذي استمر ثماني سنوات وسلط الضوء بشكل أكبر على دور القناة كنقطة محورية في الصراعات في الشرق الأوسط. في الآونة الأخيرة، في عام 2021، تم إغلاق القناة مؤقتًا بسبب حادث شحن ضخم يتعلق بالسفينة إيفر جيفن، مما يسلط الضوء مرة أخرى على نقاط ضعفها في مواجهة التعطيل.

مستقبل قناة السويس: التحديات والفرص

بالنظر إلى المستقبل، تظل قناة السويس أصلًا بالغ الأهمية للتجارة العالمية، لكنها تواجه العديد من التحديات. ومع تزايد ترابط اقتصادات العالم، فإن أي تعطيل في عمليات القناة يمكن أن يكون له عواقب بعيدة المدى. وقد أظهر الحادث مع إيفر جيفن هشاشة القناة، خاصة بالنظر إلى دورها الحاسم في سلاسل التوريد العالمية.

وعلى الرغم من هذه المخاطر، تظل قناة السويس رمزًا للنفوذ الجيوسياسي والاقتصادي لمصر. وقد استثمرت الحكومة المصرية بكثافة في تحديث البنية الأساسية للقناة، بهدف زيادة قدرتها وتعزيز مكانتها كمركز مركزي للتجارة الدولية. ويشير الخبراء إلى أن مثل هذه الاستثمارات ضرورية، خاصة وأن أحجام التجارة العالمية من المتوقع أن تستمر في النمو.

Copy URL
URL Copied

قد يهمك أيضاً :-

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *